الطلب المتنامي والمتزايد على العقارات في تركيا بشكل عام وفي اسطنبول بشكل خاص أدى إلى تنامي أسعار العقارات وارتفاعها بشكل واضح اليوم على الرغم من انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار وعوامل أخرى قد يراها البعض أنها سلبية مثل التضخم العالمي والحرب بين روسيا وأوكرانيا , إلا ان المستثمر العقاري يدرك أن أكثر الفرص الاستثمارية ربحاً تتشكل عندما يكون الإقبال على الاستثمار متراجعاً بسبب مخاوف لا علاقة لها بالاستثمار العقاري .
ووفق ما ذكرت صحيفة “حرييت” التركية، اليوم الإثنين، فإن خبراء العقار قالوا إنه يبدو أن الشراء والبيع بدافع “الذعر” أدّى إلى ارتفاع أسعار المنازل.
وقال رئيس شركة “Coldwell Banker Turkey” جوخان تاس، إنّ السبب في استمرار ارتفاع أسعار العقارات في تركيا، هو أن معظم الأشخاص يعرضون منازلهم في السوق من أجل شراء منزل آخر، ونظراً لارتفاع سعر المنزل الذي يرغبون في شرائه، فإنهم في المقابل يطلبون أسعاراً أعلى للعقارات التي ينوون بيعها.
وأضاف أن المواطنين يتجهون إلى العقارات لمواجهة التضخم المرتفع أيضاً، وذلك لحماية مدخراتهم، الأمر الذي يؤدي إلى طلب إضافي على المنازل.
وأوضح أنه مع توقّع ارتفاع الأسعار أكثر، يُنفّذ الشخص عملية شراء المنزل بسرعة أكبر، مشيراً إلى أنهم يدفعون الآن 5 ملايين ليرة تركية مقابل منزل قيمته الفعلية 3 ملايين ليرة، وعليه ترتفع أسعار العقارات الأخرى.
فرصة الأمس يحصد نتائجها اليوم مستثمر الأمس , أما مستثمر اليوم فسيحصد نتائج استثماره في المستقبل القريب ولذلك قال المستثمر الأجنبي Will Rogers:
“Don’t wait to buy real estate. Buy real estate and wait.”
أي لا تنتظر لشراء عقار إنما اشترِ عقار ثم انتظر وهو يشير إلى أن قطاع العقارات بشكل عام ذو فرص استثمارية تتجدد باستمرار ولذلك من المهم البدء بهذا الاستثمار حالما تصبح الإمكانية متوفرة.
ولنبدأ من هذه المقدمة التي تعبر عن ما يدور في أذهان عدد من المستثمرين العقاريين اليوم في سوق العقار التركي :
عدد كبير من المستثمرين اليوم الذين ما زالوا يبحثون عن عقار مناسب في اسطنبول سواء بهدف السكن أو الاستثمار لا بد أنهم كانوا على تواصل مع وسطاء عقاريين خلال النصف الثاني من العام الماضي 2021 , وربما جزء منهم زار اسطنبول بنفسه منتصف العام الماضي واطلع على بعض العروض العقارية ولم يأخذ قرار بشراء أي منها في ذلك الوقت, واليوم مع اقتراب فصل الربيع تتجدد طلبات المستثمرين للحصول على العروض الجديدة لتوفر إمكانية تحديد زيارة قريبة واختيار العقارات المناسبة ولكن يتفاجئ هؤلاء المستثمرون بأسعار العقارات الجديدة التي ازدادت بنسبة لا تقل عن 70% خلال الشهور التسعة الماضية , فالعقار الذي كان بقيمة 100 ألف دولار في حزيران 2021 اليوم في آذار 2022 تراوحت قيمته بين 170 إلى 200 ألف دولار فما الذي حصل خلال هذه الفترة القصيرة نسبياً وأثر بشكل كبير على أسعار العقارات ؟
هل السبب هو في محاولة الوسطاء العقاريين تضليل العملاء بأسعار مبالغ فيها ؟
أم السبب هو رفع أسعار غير منطقي من قبل المشاريع العقارية لزيادة الأرباح ؟
أم أن هذا الارتفاع هو منطقي ومبرر بشكل خارج عن إرادة الوسطاء والمطورين العقاريين ؟
مهما كانت الأسباب الحقيقية لاحظنا منذ بداية عام 2022 وحتى تاريخ كتابة هذه المقالة أن المئات من العملاء لا يتقبلون الأسعار الجديدة للعقارات في اسطنبول وبعد الجولات الميدانية معظمهم يأخذ قرار بتأجيل فكرة التملك مجدداً لعل أسعار العقارات تعود لما كانت عليه , فهل مستقبل أسعار العقارات في اسطنبول سيعود لما كانت عليه الأسعار سابقاً أم أن الارتفاع الحاصل لا مفر منه والفترة القادمة تحمل المزيد من ارتفاع أسعار العقارات؟؟
لا يمكن التنبؤ بشكل صحيح بمستقبل أسعار العقارات في تركيا بشكل عام وفي اسطنبول بشكل خاص دون الإجابة على التساؤلات التي طرحناها أعلاه , ومن خلالها يمكننا توقع سير مخطط أسعار العقارات ..
أسباب لها علاقة بسعر الصرف :
إذا عدنا إلى عام 2017 سنجد أن سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي كان يعادل كل دولار حوالي 3.4 ليرة تركية وفي ذلك الوقت كان سعر عقار سكني 3 غرف وصالة في غرب إسطنبول في منطقة مثل بيليك دوزو ضمن مجمع سكني متوسط حوالي 610 الف ليرة تركية أي ما يعادل تقريباً 180 ألف دولار وسعر نفس هذا العقار اليوم مع اقتراب معدل سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي إلى 15 ليرة مقابل كل دولار يعادل تقريبا 2.5 مليون ليرة تركية أي ما يعادل تقريبا 165 ألف دولار أمريكي فعملياً زيادة سعر العقارات السكنية على أساس الليرة التركية لم يغير سعرها بشكل كبير إذا تم الحساب من أجل العملات الأجنبية مثل الدولار .
أما منذ الفترة بين أواخر عام 2018 وحتى منتصف 2021 حيث شهدت الليرة التركية هبوطاً قوياً أمام الدولار كانت أسعار العقارات السكنية تقريباً ثابتة وهذا يعني أن العقار السابق الذي كنا نتكلم عنه بسعر 610 ألف ليرة طرأ عليه ارتفاع بسيط في سعره ليصل إلى 720 ألف ليرة أي ما يعادل حوالي 90 ألف دولار إذا حسبنا سعر صرف الليرة مقابل الدولار كل واحد دولار يساوي 8 ليرات تركية (بالتأكيد سعر الصرف وسعر العقارات خلال هذه الفترة لم يكن ثابتاً ولكن إذا أجرينا الحساب من أجل الدولار فسنجد السعر تقريباً 90 الف دولار بشكل متوسط).
هذا يعني أن خلال هذه الفترة (نهاية 2018 ومنتصف 2021) كانت أسعار العقارات مغرية جداً وتصل إلى نصف السعر الحقيقي للعقار إذا تم الحساب من أجل العملات الأجنبية مثل الدولار.
ملاحظات:
في الحقيقة ذكرنا مراراً في مقالات سابقة أن سوق العقارات هو سوق محلي بامتياز والمستثمر التركي مدرك لتغير قيمة الليرة التركية أمام الدولار ولكن خطته الاستثمارية مبنية في الغالب على أساس الليرة التركية وبالتالي عند هبوط قيمة الليرة التركية إلى النصف خلال فترة قصيرة ليس من المنطقي في هذا السوق المحلي رفع أسعار العقارات 100% بشكل فوري وإنما هذا الارتفاع بالتأكيد سيحتاج إلى فترة من الزمن ليست بالقصيرة .
علينا أن لا ننس أيضاً ظهور فيروس كورونا وأثره السلبي على مجال الاستثمار العقاري وهذا بدوره أجّل ارتفاع الأسعار بشكل إضافي .
ولكن اليوم مع ارتفاع أسعار مواد البناء كما سنرى لاحقاً في النقاط التالية أدى إلى ظهور فرق الأسعار بشكل سريع جداً .
على الرغم من كون تركيا دولة مصدرة للكثير من المواد المستخدمة في الإنشاء مثل المطابخ والرخام والأبواب والأقفال إلا أنها تستورد قسم كبير من مواد الإنشاء الأولية مثل الحديد والاسمنت و لنشاهد مخطط أسعار الحديد ومواد البناء خلال السنوات الأخيرة:
مع منتصف عام 2021 بلغت الزيادة الحادة في أسعار الحديد ومواد الإنشاء ما تصل نسبته إلى حوالي 80% بالنسبة للحديد و25% بالنسبة لباقي مواد الإنشاء .
إن الارتفاع الحاد بأسعار مواد الإنشاء لن يؤثر فقط على المشاريع قيد الإنشاء إنما أيضاً على أسعار العقارات الجاهزة للسكن وذلك لأن المطور الذي يبيع العقارات الجاهزة بحاجة إلى دفع الأسعار الجديدة لمواد الإنشاء للبدء بمشروعه الجديد .
حتى عروض إعادة البيع والعقارات المستعملة شيئاً فشيئاً تقترب من أسعار العقارات الجديدة نظراً لكثرة الطلب على العقارات الرخيصة وانخفاض الطلب على العقارات مرتفعة السعر مما سيؤدي حتماً إلى توازن في السوق خلال الأشهر القليلة القريبة.
إن رفع أسعار العقارات بهدف تأهيلها لجذب عائد إيجاري أعلى معادلة غير صحيحة , لكن عكسها صحيح أي أن ارتفاع العائد الإيجاري لأي عقار يؤهله ليتم بيعه بسعر أعلى.
شهدت تركيا بشكل عام واسطنبول بشكل خاص خلال الأشهر الماضية ارتفاعاً حاداً بأسعار الإيجار وصلت إلى أكثر من 120% في بعض المناطق وكانت بشكل متوسط 84% حسب إحصائيات الحكومة .
هذا يعني أن معظم العقارات أصبحت مؤهلة خلال سنة واحدة لجذب ضعف الإيجار الذي كانت مؤهلة لتحقيقه في السنوات السابقة , وفي الحقيقة لا قيمة لرفع إيجار أي عقار دون وجود طلب حقيقي لهذا العقار بالسعر الجديد وهذا ما كان واضحاً في معظم مناطق اسطنبول وهو وجود مستأجرين راغبين باستئجار هذه العقارات ولو كانت بضعف سعر السنة الماضية.
كان العائد الإيجاري في السنوات السابقة قبل ارتفاع أسعار العقارات يعادل تقريباً 4% إلى 5% بشكل متوسط , والآن بعد مضاعفة العائد الإيجاري أصبح من المنطقي مضاعفة سعر العقار للحفاظ على نفس هذه النسبة .
إن الآثار السلبية لفيروس كورونا والركود الاقتصادي الذي أصاب العالم أثر بشكل كبير على حركة إنشاء المشاريع الجديدة وبالتالي بالنسبة لاسطنبول فقد أصبح الطلب أعلى من العرض وهذا سبب يؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع أسعار العقارات المعروضة أصلاً في السوق اليوم .
أضف إلى ذلك نقص الأراضي المناسبة للإنشاء قرب البنى التحتية المهمة يجعل من الأراضي المناسبة للإنشاء محط طلب عالٍ وهذا بدوره يؤدي أصلاً إلى ارتفاع أسعار الأراضي حتى قبل البدء بالإنشاء فيها .
النسب العالية لمعدل التضخم في أمريكا التي سيصحبها قريباً رفع معدلات الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي مما سيؤدي لهبوط العملات أمام الدولار الذي سيكسب قوة أكبر مؤقتاً وضعفاً على المدى الطويل لقدرته الشرائية.
العالم لم يتعافى بعد من الآثار الاقتصادية السلبية لفايروس كورونا سواء على التصنيع أو سلاسل التوريد وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع التكاليف بشكل عام ومنها تكاليف الإنشاء وبالتالي أسعار العقارات.
الحرب الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير من جهة , وأيضاً بشكل ثانوي جعلت المستثمرين يلجأون إلى ملاذ آمن للاستثمار مثل امتلاك العقارات بدلاً من فتح أنشطة تجارية قد يؤدي تطور الحرب إلى توقفها بشكل كامل.
ولا بد أن هناك أسباب أخرى لم نذكرها اليوم ولكن هذه هي الأسباب الأساسية التي تبرر ارتفاع أسعار العقارات المفاجئ نوعاً الذي تشهده تركيا بشكل عام واسطنبول بشكل خاص.
بالنسبة لمستقبل أسعار العقارات في تركيا يمكن التنبؤ به من خلال تقييم العوامل الأساسية التي ذكرناها وهل ستستمر بالتأثير على رفع أسعار العقارات أم أنها ستتراجع في السنوات القادمة ؟
سيتم ارسال كلمة المرور الى بريدك الالكتروني